هيمنة كروية بامتياز للسنغال بعد سنوات من العجاف.

0
317

كتب / جبريل لي السماوي

السنغال عاشت سنوات كرويّة عجاف. تتجرّع فيها كأس التيه وتمنح صورته للوهم وصوته للفراغ، فكانت كلّما ألفت النّور زارتها العتمة، لقلب كلّ آمالها إلى سراب. غير أنّها استطاعت في الآونة الأخيرة أن تمارس السّطو الحلال على الكورة الإفريقيّة، ونصبت نفسها امبراطورا كرويّا على مستوى القارّة السّمراء. وتتأرجح انعكاسات المجد على كلّ الفئات الكروية، من الجذور إلى الأغصان .
يقول روبرت شولر : توقّع العقبات، لكن لا تسمح لها بمنعك من التقدّم. هذه هي نفس الفلسفة التي طبّقتها السيادات السنغالية في الفوتبول حرفا حرفا. فلم تمنعهم اخفاقات أعوام وخيبات سنين أن يعيدوا الكرّات للمغامرة صوب المجد التّليد. ونقش بصمات خالدة في جدار التاريخ، وتحقيق تلك الأحلام القديمة الضائعة في ذاكرة الزمان .
هذا التّألق العظيم، وهذه الرّحلة الطويلة نحو عرش السيادة، ليس مبنيّا على العدم، وليس من صناعة الحظّ السّعيد، وإنّما نتاج عمل جبّار لسنوات عديدة على مستوى المنشئات الكروية في قلعة ترانغا 🇸🇳
الاتّحاد السنغالي لكرة القدم استثمر بكلّ جدّية في الأكاديميات المحلّية، وركّز على صقل المواهب الناشئة، وضخّ أموالا طائلة لكي يُطوّر البنية التّحتيّة واللوجستية. وانتاج شباب يلعبون الكرة باحترافيّة خارقة وليست بعشوائية مصطنعة، كما كان عليه الحال في العصور الوسطى للكرة السنغاليّة. وأبرز تلك الأكاديميات (génération de foot )و (école de foot dakar sacré cœur ) و معهد جمبار (institut diambar). وهذا يعطيك الصورة والانطباعات الحقيقية لتفسير هذا الطغيان وهذا التّألّق الكروي.
إنّ معظم اللاعبين الذين غامروا إلى المنافسات، وحصدوا ميداليات، من خرّيجي هذه الأكاديميات التي غيّرت مجرى تاريخ السنغال في الفوتبول، وأعطت للكورة نكهة أخرى، مغايرة تماما للتي كنّا نتعاطها جميعا بشقّ الأنفس ومن دون رضى .

في الكورة المعاصرة، من ليس له مشروعا جادّا ومنظومة استراتيجية محكّمة، وبنية تحتيّة كرويّة صلبة، فإنّه بمثابة من يزرع الأحلام والآمال في وادي غير ذي زرع. فرنسا التي أعلن الإمارة الكروية في القارّة الأروبية، نموذج حيّ للاستثمار الكروي … وحتّى المتفلسف بيب غارجولا، أعاد ترميم نادي الأزرق السّماوي، وهندس له بنية تحتيّة مارقة، فاستطاع تطبيق أفكاره وفلسفته قبل اعلان الحرب على عظماء القارّة وإن كانت المليارات لعبت دورها في تمهيد مصيرته إلى هذا الاحتكار الكروي . وهذا ما لم تستحضره إدارة نادي عاصمة الأنوار المزيّفة ( باريس) فالمدرسة الكروية تبنى على خبرات ودهاء ومرونة ولياقة ذهنية حاضرة دائما، وليس على حشد من النّجوم والأساطير .

أخيرا : إدارة هذا الرّيتم السائد، وهذه الديناميكية الاحترافيّة التي تسير عليها الكرة السنغاليّة، لا تحتاج إلى شيء سوى الاستقرار الفني، والاستفادة من أخطاء الماضي الحزين، لتفادي حماقات وفجوات التّاريخ . والذي ينطلق من الماضي لصناعة الحاضر فهو من سيتحكّم على أطراف المستقبل المنشود .

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici